فصل: تفسير الآيات (15- 16):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن سعد وأبو يعلى والحاكم والبيهقي في الدلائل، عن أنس رضي الله عنه قال: خرج عمر متقلدًا بالسيف لقيه رجل من بني زهرة فقال له: أين تغدو يا عمر، قال: أريد أن أقتل محمدًا. قال: وكيف تأمن بني هاشم وبني زهرة؟ فقال له عمر: ما أراك إلا قد صبأت وتركت دينك! قال: أفلا أدلك على العجب؟! إن أختك وختنك قد صبآ وتركا دينك، فمشى عمرا زائرًا حتى أتاهما، وعندهما خباب، فلما سمع خباب بحس عمر، توارى في البيت، فدخل عليهما فقال: ما هذه الهينمة التي سمعتها عندكم وكانوا يقرأون: {طه} فقالا: ما عدا حديثًا تحدثنا به. قال: فلعلكما قد صبأتما. فقال له خنته: يا عمر، إن كان الحق في غير دينك؟ فوثب عمر على ختنه فوطئه وطأ شديدًا: فجاءت أخته لتدفعه عن زوجها، فنفخها نفخة بيده فدمى وجهها. فقال عمر: أعطوني الكتاب الذي هو عندكم فأقرأه، فقالت أخته: إنك رجس وإنه {لا يمسه إلا المطهرون} [الواقعة: 79] فقم فتوضأ، فقام فتوضأ ثم أخذ الكتاب فقرأ {طه} حتى انتهى إلى {إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري} فقال عمر: دلوني على محمد، فلما سمع خباب قول عمر، خرج من البيت فقال: أبشر يا عمر، فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لك ليلة الخميس: «اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب، أو بعمر بن هشام» فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج أبو نعيم في الحلية، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن جبريل عليه السلام قال: «قال الله عز وجل: {إني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني} من جاءني منكم بشهادة أن لا إله إلا الله بالإخلاص دخل حصني، ومن دخل حصني أمن عذابي».
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وأقم الصلاة لذكري} قال: إذا صلى عبد ذكر ربه.
وأخرج عبد بن حميد، عن إبراهيم في قوله: {وأقم الصلاة لذكري} قال: حين تذكر.
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود وابن مردويه، عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها، فإن الله قال: {أقم الصلاة لذكري}».
وأخرج الترمذي وابن ماجة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر أسري ليلة حتى أدركه الكرى، أناخ فعرس ثم قال: «يا بلال، أكلأنا الليلة» قال: فصلى بلال ثم تساند إلى راحلته مستقبل الفجر، فغلبته عيناه فنام، فلم يستيقظ أحد منهم حتى ضربتهم الشمس، وكان أولهم استيقاظًا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أي بلال» فقال بلال: بأبي أنت يا رسول الله، أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اقتادوا» ثم أناخ فتوضأ وأقام الصلاة ثم صلى مثل صلاته للوقت في تمكث، ثم قال: «من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، فإن الله قال: {أقم الصلاة لذكري}» وكان ابن شهاب يقرؤها {للذكرى}.
وأخرج الطبراني وابن مردويه، عن عبادة بن الصامت قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل غفل عن الصلاة حتى طلعت الشمس أو غربت ما كفارتها؟ قال: «يتقرب إلى الله ويحسن وضوءه ويصلي فيحسن الصلاة ويستغفر الله فلا كفارة لها إلا ذلك» إن الله يقول: {أقم الصلاة لذكري}.
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر، عن سمرة بن يحيى قال: نسيت صلاة العتمة حتى أصبحت، فغدوت إلى ابن عباس فأخبرته فقال: قم فصلها، ثم قرأ {أقم الصلاة لذكري}.
وأخرج عبد بن حميد، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إذا نسيت صلاة فاقضها متى ما ذكرت.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن الشعبي وإبراهيم في قوله: {أقم الصلاة لذكري} قالا: صلِّها إذا ذكرتها وقد نسيتها.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن إبراهيم قال: من نام عن صلاة أو نسيها، يصلي متى ذكرها عند طلوع الشمس وعند غروبها، ثم قرأ {أقم الصلاة لذكري} قال: إذا ذكرتها فصلها في أي ساعة كنت.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية فنزلنا دهاسًا من الأرض- والدهاس الرمل- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم-: من يكلؤنا؟ قال بلال: أنا، فناموا حتى طلعت عليهم الشمس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «افعلوا كما كنتم تفعلون» كذلك لمن نام أو نسي.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن أبي جحيفة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره الذي ناموا فيه، حتى طلعت الشمس ثم قال: «إنكم كنتم أمواتًا فرد الله إليكم أرواحكم، فمن نام عن الصلاة أو نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، وإذا استيقظ» اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {إِذْ رأى}:
يجوز أَنْ يكونَ منصوبًا بالحديث وهو الظاهرُ. ويجوز أن ينتصِبَ ب اذكر مقدَّرًا، كما قاله أبو البقاء، أو بمحذوفٍ بعدَه أي: إذ رأى نارًا كان كيتَ وكيتَ، كما قاله الزمخشريُّ.
و{هل} على بابها مِنْ كونِها استفهامَ تقريرٍ، وقيل: بمعنى قد، وقيل: بمعنى النفي. وقرأ {لأهلِهُ امكثُوا} بضم الهاء حمزة وقد تقدم أنه الأصلُ وهو لغةُ الحجاز، وقال أبو البقاء: إن الضمَّ للإِتباع.
قوله: {آنَسْتُ} أي: أبصرْتُ. والإِيناسُ: الإِبصارُ البيِّنُ، ومنه إنسانُ العينِ؛ لأنه يُبْصَر به الأشياءُ، وقيل: هو الوِجْدان، وقيل: الإِحساسُ فهو أعمُّ من الإِبصار، وأنشدوا للحارث بن حِلِّزة:
آنسَتْ نَبْأَةً وأَفْزَعَها القُنْ ** ناصُ عَصْرًا وقد دنا الإِمْساءُ

والقَبَسُ: الجَذْوَةُ من النار، وهي الشُّعْلةُ في رأسِ عُوْدٍ أو قَصَبةٍ ونحوِهما. وهو فَعَلٌ بمعنى مَفْعول كالقَبَض والنَّقَضِ بمعنى المَقْبوض والمَنْقوض. ويقال: أَقْبَسْتُ الرجلَ علمًا وقَبَسْتُه نارًا، ففرقوا بينهما، هذا قولُ المبردِ. وقال الكسائيُّ: إن فَعَلَ وأَفْعَلَ يُقالان في المعنيين، فيقال: قَبَسْتُه نارًا وعلمًا، وأَقْبَسْته أيضًا عِلْمًا ونارًا.
وقوله: {مِّنْهَا} يجوز أَنْ يتعلق ب {آتِيكم} أو بمحذوفٍ على أنه حالٌ مِنْ قَبَس. وأمال بعضُهم ألفَ {هدى} وقفًا. والجيدُ أَنْ لا تُمالَ لأنَّ الأشهر أنها بدلٌ من التنوين.
{فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11)}.
قوله: {نُودِيَ}: القائمُ مَقامَ الفاعلِ ضميرُ موسى وقيل: ضميرُ المصدرِ أي: نُودي النداء. وهو ضعيفٌ، ومنعوا أن يكونَ القائمُ مَقامه الجملةَ مِنْ {يا موسى}؛ لأنَّ الجملةَ لا تكونَ فاعلًا.
{إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12)}.
قوله: {إني}: قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالفتح، على تقديرِ الباءِ بأني؛ لأنَّ النداءَ يُوْصَلُ بها تقول: نادَيْتُه بكذا. قال الشاعر: أنشده الفارسيُّ:
نادَيْتُ باسمِ ربيعةَ بنِ مُكَدَّمٍ ** إنَّ المُنَوَّهَ باسمِه المَوْثُوْقُ

وجَوَّز ابنُ عطية أن يكون بمعنى لأجْلِ. وليس بظاهر. والباقون بالكسرِ: إمَّا على إضمارِ القولِ كما هو رأيُ البصريين، وإمَّا لأنَّ النداءَ في معنى القولِ عند الكوفيين.
وقوله: {أَنَاْ} يجوزُ أن يكونَ مبتدأ، وما بعده خبرُه، والجملةُ خبرُ {إنَّ}. ويجوزُ أن يكونَ توكيدًا للضميرِ المنصوب، ويجوزُ أَنْ يكونَ فَصْلًا.
قوله: {طوى} قرأ الكوفيون وابن عامر: {طُوىً} بضمِّ الطاءِ والتنوين. والباقون بضمِّها من غيرِ تنوين. وقرأ الحسنُ والأعمش وأبو حيوةَ وابن محيصن بكسرٍ الطاءِ منوَّنًا. وابو زيدٍ عن أبي عمروٍ بكسرِها غيرَ منونٍ.
فمَنْ ضَمَّ ونَوَّنَ فإنه صَرَفَه لأنَّه أَوَّله بالمكان. ومَنء مَنَعه فيحتمل أوجهًا، أحدها: أنه مَنَعه للتأنيث باعتبار البُقْعَةِ والعَلَمِيَّة. الثاني: أنه مَنَعه للعَدْل إلى فُعَل، وإن لم يُعْرَفِ اللفظُ المعدولُ عنه، وجعله كعُمَر وزُفَر. والثالث: أنه اسمٌ أعجمي فَمَنْعُه للعَلَمِيَّة والعُجْمة.
ومَنْ كَسَر ولم يُنَوِّن فباعتبارِ البُقْعة أيضًا. فإن كان اسمًا فهو نظيرُ عِنَب، وإن كان صفةً فهو نظير عِدَى وسِوَى. ومَنْ نَوَّنَه فباعتبار المكان. وعن الحسنِ البَصْريِّ أنه بمعنى الثنى بالكسرِ والقَصْر، والثنى: المكررُ مرتين، فيكون معنى هذه القراءة أنه ظهر مرتين، فيكون مصدرًا منصوبًا بلفظ {المقدَّس} لأنه بمعناه كأنه قيل: المقدَّس مرتين، من التقديس.
وقرأ عيسى بن عمر والضحَّاك {طاوِيْ اذهَبْ}.
و{طوى}: إمَّا بدلٌ من الوادي، أو عطفُ بيانٍ له، أو مرفوعٌ على إضمارِ مبتدأ، أو منصوبٌ على إضمار أعني.
قوله: {وَأَنَا اخترتك}: قرأ حمزةُ في آخرين {وأنَّا اخترناك} بفتحِ الهمزة بضمير المتكلمِ المعظمِ نفسَه. وقرأ السلميُّ والأعمش وابن هرمز كذلك، إلاَّ أنهم كسروا الهمزةَ. والباقون {وأنا اخْتَرْتُك} بضميرِ المتكلم وحدَه. وقرأ أُبَيٌّ {وأني اخترتك} بفتح الهمزة.
فأمَّا قراءةُ حمزة فعطفٌ على قوله: {إني أَنَاْ رَبُّكَ}، وذلك أنه بفتح الهمزة هناك، ففعل ذلك لَمَّا عطف غيرَها عليها. ومَنْ كسرها فلأنه يقرأ: {إنِّي أنا ربك} بالكسر. وقراءة أُبَيّ كقراءةِ حمزة بالنسبة للعطف. وجَوَّز أبو البقاء أن يكونَ الفتحُ على تقديرِ: ولأنَّا اخترناك فاستمع، فعلَّقه باستمع. والأولُ أَوْلَى. ومفعولُ {اخترتك} الثاني محذوف أي: اخترتك مِنْ قومك.
قوله: {لِمَا يوحى} الظاهرُ تعلُّقه ب {استمِعْ}. ويجوزُ أن تكونَ اللامُ مزيدةً في المفعول على حَدِّ قولِه تعالى: {رَدِفَ لَكُم} [النمل: 72]. وجَوَّز الزمخشريُّ وغيرُه أن تكونَ المسألة من باب التنازع بين {اخْتَرْتُك} وبين {استمع} كأنه قيل: اخترتُك لِما يوحى فاستمع لِما يوحى. قال الزمخشري: فَعَلَّق اللامَ ب {استمعْ} أو ب {اخترتُك}.
وقد رَدَّ الشيخُ هذا بأنْ قال: ولا يجوزُ التعليقُ ب {اخترتك} لأنَّه مِنْ بابِ الإِعمال، يجب أو يُختار إعادةُ الضميرِ مع الثاني فكان يكونُ: فاستمعْ له لِما يوحى، فَدَلَّ على أنه من باب إعمال الثاني. قلت: الزمخشريُّ عنى التعليقَ المعنويَّ من حيث الصلاحيةُ، وأما تقديرُ الصناعةِ فلم يَعْنِه.
و{ما} يجوزُ أَنْ تكونَ مصدريةً، وبمعنى الذي أي: فاستمعْ للوحيِ أو للذي يوحى.
قوله: {لذكري}: يجوزُ أَنْ يكونَ المصدرُ مضافًا لفاعلِه ِأي: لأنِّي ذكرتُها في الكتب، أو لأنِّي أذكرُك. ويجوز أن يكونَ مضافًا لمفعولِه أي: لأِنْ تذكرَني. وقيل: معناه ذِكْرُ الصلاةِ بعد نِسْيانِها كقولِه عليه السلام: «مَنْ نام عن صلاةٍ أو نَسِيها فَلْيُصَلِّها إذا ذكرها» قال الزمخشري: وكان حقٌّ العبارة: لذكرها، ثم قال: ومَنْ يَتَمَحَّلْ له أن يقول: إذا ذَكَر الصلاة فقد ذكر اللهَ، أو على حذفِ مضاف أي: لذكر صلاتي، أو لأنَّ الذِّكْرَ والنيسانَ من الله تعالى في الحقيقة.
وقرأ أبو رجاء والسُّلمي {للذكرى} بلام التعريف وألفِ التأنيث. وبعضهم {لذكرى} منكرةً، وبعضهم {للذكر} بالتعريف والتذكير. اهـ.

.تفسير الآيات (15- 16):

قوله تعالى: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ثم علل الأمر بالعبادة بأنه لم يخلق الخلق سدى، بل لابد من إماتتهم، ثم بعثهم لإظهار العظمة ونصب موازين العدل، فقال مؤكدًا لإنكارهم معبرًا بما يدل على سهولة ذلك عليه جدًا: {إن الساعة ءاتية} أي لاريب في إتيانها، فهي أعظم باعث على الطاعة.
ولما كان بيان حقيقة الشيء مع إخفاء شخصه ووقته وجميع أحواله موجبًا في الغالب لنسيانه والإعراض عنه، فكان غير بعيد من إخفائه أصلًا ورأسًا، قال مشيرًا إلى هذا المعنى: {أكاد أخفيها} أي أقرب من أن أجدد إخفاءها، فلذا يكذب بها الكافر بلسانه والعاصي بعصيانه فالكافر لا يصدق بكونها والمؤمن لا يستعد غفلة عنها، فراقبني فإن الأمر يكون بغتة، ما من لحظة إلا وهي صالحة للترقب؛ ثم بين سبب الإتيان بها بقوله: {لتجزى} أي بأيسر أمر وأنفذه {كل نفس} كائنة من كانت {بما تسعى} أي توجد من السعي في كل وقت كما يفعل من أمر ناسًا بعمل من النظر في أعمالهم ومجازاة كل بما يستحق.
ولما كانت- لما تقدم- في حكم المنسي عند أغلب الناس قال: {فلا يصدنك عنها} أي إدامة ذكرها ليثمر التشمير في الاستعداد لها {من لا يؤمن بها} بإعراضه عنها وحمله غيره على ذلك بتزيينه بما أوتي من المتاع الموجب للمكاثرة المثمرة لامتلاء القلب بالمباهاة والمفاخرة، فإن من انصد عن ذلك غير بعيد الحال ممن كذب بها، والمقصود من العبارة نهي موسى عليه السلام عن التكذيب، فعبر عنه بنهي من لا يؤمن عن الصد إجلالًا لموسى عليه السلام، ولأن صد الكافر عن التصديق سبب للتكذيب فذكر السبب ليدل على المسبب، ولأن صد الكافر مسبب عن رخاوة الرجل في الدين ولين شكيمته فذكر المسبب ليدل على السبب، فكأنه قيل: كن شديد الشكيمة صليب المعجم، لئلا يطمع أحد في صدك وإن كان الصاد هم الجم الغفير، فإن كثرتهم تصل إلى الهوى لا إلى البرهان، وفي هذا حث عظيم على العمل بالدليل، وزجر بليغ عن التقليد، وإنذار بأن الهلاك والردى مع التقليد وأهله نبه عليه الكشاف.
ثم بين العلة في التكذيب بها والكسل عن التشمير لها بقوله: {واتبع} أي بغاية جهده {هواه} فكان حاله حال البهائم التي لا عقل لها، تنفيرًا عن مثل حاله؛ ثم أعظم التحذير بقوله مسببًا: {فتردى} أي فتهلك، إشارة إلى أن من ترك المراقبة لحظة حاد عن الدليل، ومن حاد عن الدليل هلك. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15)}.
اعلم أنه تعالى لما خاطب موسى عليه السلام بقوله: {فاعبدني وأقم الصلاة لذكري} [طه: 14] أتبعه بقوله: {إِنَّ الساعة ءاتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا} وما أليق هذا بتأويل من تأول قوله: {لِذِكْرِى} أي لأذكرك بالأمانة والكرامة فقال عقيب ذلك: {إِنَّ الساعة ءاتِيَةٌ} لأنها وقت الإثابة ووقت المجازاة ثم قال: {أَكَادُ أُخْفِيهَا} وفيه سؤالان:
السؤال الأول: هو أن كاد نفيه إثبات وإثباته نفي بدليل قوله: {وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} [البقرة: 71] أي وفعلوا ذلك فقوله: {أَكَادُ أُخْفِيهَا} يقتضي أنه ما أخفاها وذلك باطل لوجهين، أحدهما: قوله: {إِنَّ الله عِندَهُ عِلْمُ الساعة} [لقمان: 34].
والثاني: أن قوله: {لِتَجْزِىَ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تسعى} إنما يليق بالإخفاء لا بالإظهار.
والجواب: من وجوه، أحدها: أن كاد موضوع للمقاربة فقط من غير بيان النفي والإثبات فقوله: {أَكَادُ أُخْفِيهَا} معناه قرب الأمر فيه من الإخفاء وأما أنه هل حصل ذلك الإخفاء أو ما حصل فذلك غير مستفاد من اللفظ بل من قرينة قوله: {لتجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تسعى} فإن ذلك إنما يليق بالإخفاء لا بالإظهار.
وثانيها: أن كاد من الله واجب فمعنى قوله: {أَكَادُ أُخْفِيهَا} أي أنا أخفيها عن الخلق كقوله: {عسى أَن يَكُونَ قَرِيبًا} [الإسراء: 51] أي هو قريب قاله الحسن.
وثالثها: قال أبو مسلم: {أَكَادُ} بمعنى أريد وهو كقوله: {كذلك كِدْنَا لِيُوسُفَ} [يوسف: 76] ومن أمثالهم المتداولة لا أفعل ذلك ولا أكاد أي ولا أريد أن أفعله.